من يستمع إلى آخر خطاب ألقاه الرئيس السابق حسنى مبارك سيستطيع فهم وتحليل عورات خطاب النظام وفهم سيكولوجيته وقراءة ساعته المتأخرة عن أحلام الناس، والمدهش أن خطاب وبيانات الجيش الذى من المفروض أنه بعيد عن الحياة المدنية كانت أقرب إلى موجة الشباب من النظام الذى كان يدعى أنه راعى حكومة اللاب توب.

لم يفهم مبارك أو من كتب له الخطاب – لدى فضول صحفى شديد لمعرفة من هو كاتب هذا الخطاب – لم يستوعب أن هذا الجيل هو جيل هات م الآخر!، هو جيل الـSMS، إنه جيل الاختصار والاختزال، الجيل الذى يختصر الجملة فى كلمة، ويختزل الكلمة إلى حرف وأحياناً إلى رقم، هذا الجيل يمل من المقدمات الطويلة والاستهلال والإطناب والبلاغة القديمة المترهلة، انتظر خطاب الرئيس، فوجد مقدمة طويلة بصياغة مرتبكة، ظل واقفاً على أظافره مشدود الأعصاب والأوتار، منتفخ العروق والأوداج، ينصت بغرض التفويت وليس بغرض الاستماع، عايز يجرى الشريط، بلغة الكاسيت والفيديو، لكن الظاهر إن الشريط سف!، هات م الآخر يا ريس، مازال الرئيس يدبج ويحاور فى المقدمة، ومازال يصدر نفسه فى صدارة المشهد كقائد وممسك للدفة، لن أتهاون فى كذا، سأفعل كذا....، كله بصيغة المستقبل، يرسل رسالة مفادها أنا باق!، وعندما وصل إلى المفيد قاله فى ثوان، بعد أن كان سقف الأحلام والمطالب قد ارتفع وتجاوز إجراء تفويض السلطات للنائب، إنه خطاب أثبت أن الحوار بين مبارك وجيل الشباب مستحيل، وأن موجة الإرسال مختلفة تماماً عن موجة الاستقبال، فجيل الـ«فيس بوك» موجته إف إم، والنظام مازال يعمل بالمنافلة والجرامافون وتليفون العمدة ماركة ماركونى!.

بيانات الجيش كانت على العكس رسائل قصيرة محددة يفهمها الشباب، لغتها واضحة، ألفاظها تخلصت من أثقال وأدران ورزايا الطنطنة والاستعارات المكنية، وإذا فكرت ملياً فى أسلوب التعامل بالتأكيد لابد أن تتعجب وتندهش، فالجيش كان يخاطبنا قبل البيان بالـSMS على موبايلات المصريين، على عكس جهاز الأمن القمعى يوم 28 يناير الذى قطع النت والاتصالات وجعل الموبايل قطعة حديد خرساء، فتجاور الناس فى الميدان أكثر، وتحاور الشعب فى الشارع أكثر، وتاهت الشرطة عندما قطعت عنها شفرة اللاسلكى، فلم يستطع أفرادها التواصل وفقدوا جهازهم العصبى المركزى وأصابهم الشلل الرباعى.

شباب الإنترنت كان يبنى حلم مصر وينسج تطلعاته على الكى بورد، ثم دشنه بالدم على أسفلت الميدان عندما خرج نحو النور طالباً الحرية، كان النظام يقول «خليهم يتسلوا»، وكانت مباحث الإنترنت تلعب الـ«بلاى ستيشن»!، وكان الناس يلهثون خلف إيقاع الشباب السريع الهادر الذى كان محدد الهدف جداً جداً، لا يرضى بأنصاف الحلول، يقتنص الدرجة النهائية، بينما شهادة النظام مليئة بالكحك والأصفار!.